شهدت السوق تطورات لافتة خلال نوفمبر كنتيجة للفوز المفاجئ لترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، والذي أعقبته أول خطوة لخفض الإنتاج من قبل «أوبك»، حيث نجحت المنظمة في تنحية الخلافات السياسية جانباً واتفق الأعضاء على خفض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً لأول مرة منذ 8 سنوات مما شكل حافزاً قوياً للأسعار والآن تتجه السندات الأميركية إلى أول سوق ذات طابع هابط منذ 30 سنة مع ارتفاع الأرباح إثر تعهّد إدارة ترامب الجديدة بزيادة الإنفاق وخفض الضرائب.
وقال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك» إن أسعار المعادن الثمينة بقيت رازحة تحت الضغط مع سعي المستثمرين إلى خفض انكشافهم في استجابة لارتفاع الأسهم وأرباح السندات والدولار. كما تم خرق مستوى دعم تقني أساسي في الذهب، مما قلّص الإقبال على الاحتفاظ بمواقع في المعادن الثمينة، على الأقل خلال المدى القصير إلى المتوسط وقد هبط إجمالي الذهب في المنتجات المتداولة عبر البورصة بمقدار 141 طناً، مع استمرار الهبوط يومياً منذ 9 نوفمبر.
وأضاف أنه من وجهة نظر تقنية، فإن حدوث كسر دون المستوى 1.172 دولار للأونصة سيكون بمثابة بادرة تدل على أن التيار الصاعد – المتواصل منذ ديسمبر الماضي – يعيش حالة من الجمود أو أنّه انتهى. ونعتقد أن كثرة الأخبار السلبية حول الذهب قد تركت أثرها على الأسعار وستبقى السوق في حالة من المعاناة إلى أن تستقر تدفقات المنتجات المتداولة في البورصة والسندات، حيث سيستجيب البائعون للارتفاعات عبر خفض الانكشاف.
المعادن الصناعية
أما المعادن الصناعية، فقد تراجعت بعد الأرباح القوية التي تم تحقيقها أخيراً، إذ شهدت إقبالاً على جني الأرباح كنتيجة لازدياد قوة اليوان الصيني والمساعي الجديدة للجهات التنظيمية الصينية التي تهدف إلى الحد من حالة التخمين القوية التي تحيط بالعديد من السلع، ولاسيما النحاس والفولاذ وفلذات الحديد.
ويبقى أهم تطورات الأسبوع الماضي متمثلاً في إعلان «أوبك» عزمها خفض الإنتاج بمعدّل 1.2 مليون برميل يومياً، وذلك في استجابة منها للارتفاع المتواصل في المخزونات العالمية وانخفاض الأسعار، وهي حالة وضعت الاقتصادات القائمة على البترول تحت ضغوط كبيرة.
كما شهد اجتماع «أوبك» الأربعاء الماضي في فيينا إعلاناً واضحاً عن إنهاء حالة التنافس على الحصة السوقية بين الدول الأعضاء للمنظمة، وذلك بما ينسجم مع الوعد الذي كانوا قد قطعوه في اجتماع الجزائر خلال سبتمبر الماضي، ذلك أن هذا التنافس قد أسفر عن هبوط أسعار النفط بما يقارب النصف منذ عام 2014. وقد ساعدت هذه الخطوة لخفض الإنتاج – والتي تعتبر أول حركة منسقة من نوعها منذ 8 سنوات – على حفز ارتفاع في النفط، مما جعل شركات ومنتجي النفط تبصر وميضاً من النور يدل على نهاية النفق الذي تمر به حالياً.
وسيتم تشارك عبء خفض الإنتاج بين كل أعضاء المنظمة باستثناء إندونيسيا (التي جمدّت عضويتها) وليبيا ونيجيريا (بموجب إعفائهما)، وإيران (التي سُمح لها برفع إنتاجها بشكل طفيف). ومن ناحية أخرى، فقد أعلنت الدول المنتجة للنفط خارج إطار «أوبك» بدورها عن خطط لخفض الإنتاج بمقدار 600 ألف برميل يومياً، علماً أن نصف هذه الكمية تعزى إلى روسيا.
الخلافات السياسية
وخلال الفترة التي سبقت انعقاد اجتماع «أوبك» كانت ثمة مخاوف من فشل اللقاء وتعرّض أسعار النفط الخام لمزيد من الضغط بسبب تشنّج مواقف إيران والسعودية، غير أن الأطراف المجتمعة في فيينا نجحت في تنحية خلافاتها السياسية جانباً انطلاقاً من إدراكها لأثر انخفاض الأسعار وما قد يفضي إليه من عواقب وخيمة.
وأشار أولي هانسن، إلى أن عملية تأجيل الدفعات الواسعة الناتجة عن فرط الإنتاج وزيادة العرض خصوصاً في ما يتعلق بخام برنت أدت إلى تراكم المعاملات القصيرة قبل الاجتماع وسيؤدي إغلاق هذه المعاملات إلى رفع الأسعار في المدى القصير، قبل أن ينتقل التركيز نهاية المطاف إلى تنفيذ خفض الإنتاج المتفق عليه بين أعضاء «أوبك» وخارجها.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن تاريخ «أوبك» لطالما كان حافلاً بحالات انعدام التوافق وقلّة الالتزام بين أعضائها، وهو ما قد يشكّل مصدر قلق للمنتجين بعد انتهاء موجة المشاعر الإيجابية وإعادة التموضع الأولية. وعند هذه النقطة يبقى السؤال التالي مطروحاً: هل سيتم فعلاً خفض الإنتاج خارج إطار «أوبك» بمقدار 600 ألف برميل؟ فروسيا لم يسبق لها أن دعمت أي جهد مشترك لخفض الإنتاج، وقد ينتظر كل واحد من الأطراف المنتجة أن يقوم الآخرون بخفض الإنتاج قبل تنفيذ الالتزام الواقع عليه.
ولفت رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك» إلى أن ليبيا ونيجيريا يجسّدان تحدياً حقيقياً لهذا الاتفاق، إذ أن كونهما معفيتين من هذه الخطوة يسمح لهما برفع إنتاجهما بما يزيد على 500 ألف برميل خلال الأشهر المقبلة وبالتالي سيؤدي أي ارتفاع من طرف هاتين الدولتين إلى التأثير سلباً على مفعول الاتفاقية .
النفط الصخري
وفي الوقت الراهن، فإن السبب الذي يدفعنا للاعتقاد بأن أي ارتفاع محتمل سيكون مقتصراً على إعادة تموضع أولية يكمن في الاستجابات الأولية لارتفاع الأسعار من قبل المنتجين الأميركيين خلال الأشهر القليلة المقبلة، فقد سجل بعض أهم منتجي النفط الصخري الأميركيين الأسبوع المنصرم أسعاراً حققت لهم أرباحاً كبيرة الأربعاء الماضي، وقد ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز للمنتجات المتداولة في البورصة ضمن قطاع النفط والغاز 11%، وسجّل منذ بداية العام وحتى الآن ارتفاعاً بمقدار 41%. وكان المنتجون الأميركيون ذوو التكلفة العالية قد فقدوا ميزة الإنتاج بتكاليف صفرية العام الماضي مما سمح للكثيرين بالاستجابة مع ارتفاع الأسعار بسرعة أكبر من ذي قبل.
والآن يبقى السؤال الأهم متمثلاً في ما إذا كانت الشركات ستستخدم تحسّن الإيرادات للاستثمار في تعزيز الإنتاج، أم أن تركيزها سيتمحور حول خفض المديونية المتراكمة.
هدف
قال أولي هانسن إنه من المرجح أن تكون جهود «أوبك» قد نجحت في تأسيس أرضية راسخة للسوق قد تتمحور مبدئياً حول 45 دولاراً ولكن في حال كان الهدف 70 دولاراً فعلى الأغلب ستضطر السوق للانتظار.
أضف تعليق