إذا ما تطلعنا إلى خارطة الغاز بالبحر المتوسط، سنجد أننا أمام حالة من التداخل تصل إلى حد الإشتباك، غير المعلن حتى الآن، وان محاولات كل دولة للحفاظ على مصالحها وعائداتها قد تفجر براكين غضب مكبوت فى أى لحظة
القبارصة الأتراك سيطلقون عمليات لاستكشاف النفط والغاز
ففي تطور جديد للصدام بين قبرص وتركيا قال وزير خارجية جمهورية شمال قبرص المعلنة من جانب واحد، إن القبارصة الأتراك سيطلقون عمليات لاستكشاف النفط والغاز حول قبرص إذا استمر القبارصة اليونانيون في خططهم.
ومنح القبارصة اليونانيون، الذين يديرون حكومة قبرص المعترف بها دوليا، رخصا لشركات متعددة الجنسية لاستشكاف النفط والغاز في بضع مناطق بحرية. لكن “إيني” الإيطالية تخلت عن محاولة للتنقيب الشهر الماضي بسبب وجود سفن حربية تركية. ومن المنتظر أن تبدأ وحدة تابعة لإكسون موبيل محاولة للاستكشاف هذا العام.
وقال قدرت اوزرصاي، وزير خارجية جمهورية شمال قبرص، التي لا تعترف بها سوى تركيا، “إما أننا سنفعل هذا معا، بالنقاش والاتفاق والتحرك سويا – أو أن الأمور ستتوقف، أو نحن (القبارصة الأتراك) أيضا سنبدأ عمليات للاستشكاف والحفر”.
وتوعدت تركيا بمنع ما تعتبره تحركا أحادي الجانب للقبارصة اليونانيين، لكن قبرص العضو بالاتحاد الأوروبي لم تظهر أي علامات على التراجع. وحثت المفوضية الأوروبية تركيا على تفادي التهديدات والامتناع عن أعمال قد تلحق ضررا بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
وفي مقابلة مع رويترز، سئل أوزرصاي عن احتمالات تصاعد النزاع فقال إن الدبلوماسية ستكون الأداة الأولى. وأضاف أن بلاده تسعى لتهدئة الأجواء وليس تصعيدها
ومنعت تركيا أعمال حفر لشركة إيطالية في قبرص الشهر الماضى، استنادا على مزاعمها بشأن مناطق معينة في المنطقة البحرية قبالة قبرص تقع ضمن المنطقة السيادية لتركيا أو للقبارصة الأتراك. ولا توجد علاقات دبلوماسية بين تركيا وقبرص
وأتهمت قبرص أنقرة بمنع منصة حفر -تعاقدت عليها شركة “إيني” الإيطالية- من الاقتراب من منطقة للتنقيب عن الغاز الطبيعي.
وقال متحدث باسم شركة إيني د إن سفينة الحفر سايبم 12000 كانت في طريقها من موقع جنوب غربي قبرص إلى منطقة في جنوب شرقي الجزيرة عندما أوقفتها السفن الحربية التركية الجمعة وطلبت منها عدم مواصلة رحلتها
على الجانب الآخر أكد الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس أن عملية التنقيب ع نالغاز_الطبيعي قبالة الساحل ستستمر كما هو مخطط لها على الرغم من المعارضة القوية من جانب تركيا والقبارصة الأتراك المنفصلين عرقيا بالجزيرة.
وقال أناستاسيادس ، إن أي ثروة محتملة تتولد عن اكتشافات جديدة للغاز سيتم تقاسمها بشكل عادل مع جميع المواطنين القبارصة بعد إعادة توحيد الجزيرة. وأضاف أنه سيتم إيداع أي عائدات من الغاز في صندوق سيادي سيتم تأسيسه.
وكرر أناستاسيادس مناشدته استئناف محادثات السلام بشرط أن تتوقف تركيا عن عرقلة التنقيب في جنوب شرق الجزيرة بعد موافقة البرلمان.
وصرحت السفيرة الأميركية لدى قبرص كايتلين دوهيرتى للصحافيين عقب اجتماعها مع اناستاسيادس، م ، بأن الولايات المتحدة تؤيد بشدة حق الحكومة القبرصية في استكشاف مواردها البحرية واستغلالها.
إسرائيل ولبنان
وإلى جانب قبرص وتركيا يدور خلاف أيضا بين إسرائيل ولبنان بشأن التنقيب عن الغاز في المياه والحدود البحرية فقد تحوّلت منطقة حوض شرق المتوسط، إلى مخزن لموارد الطاقة، بدأت تتحوّل معه دول عديدة في المنطقة إلى بلدان نفطية، نظراً لما تختزنه مياهها الإقليمية من حقول ضخمة للغاز.
في المبدأ، دخل لبنان إلى نادي الدول النفطية بعدما انطلق مساره النفطي في مياهه البحرية بعد توقيع اتفاقيات مع ثلاث شركات عالمية للتنقيب عن النفط، على رغم التهديدات «الإسرائيلية»، فيما تسعى مصر إلى إعادة الاكتفاء الذاتي وتصدير الغاز، مع بدء ضخ الغاز الطبيعي من حقل «ظهر» في البحر المتوسط الذي اكتشفته شركة إيني الإيطالية عام 2015، وهو أمر فتح الصراع مع شركات الغاز «الإسرائيلية» التي كانت تصدر إلى مصر بأسعار مرتفعة.
يمكن القول إن لبنان دخل منذ التاسع من فبراير/شباط مرحلة جديدة من تاريخه، بعدما بات عضواً في نادي الطاقة، على قول رئيسه ميشال عون، إذ وقّع في ذلك اليوم عقوده النفطية الأولى مع تحالف الشركات العالمية الذي يضم «توتال» الفرنسية و«نوفاتيك» الروسية و«إيني» الإيطالية، وذلك لاستكشاف الغاز والنفط في الرقعتين (البلوكين) 4 في الشمال و9 في الجنوب على الرغم من التهديدات «الإسرائيلية» وادعاء الوزير «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان ملكية «إسرائيل» للبلوك الأخير.
من المفترض أن تبدأ أعمال الاستكشاف في عام 2019، في الرقعتين، بعدما قسم لبنان المنطقة التي تحتوي الغاز والنفط إلى عشر رقع، وقد عرض خمساً منها للمزايدة عليها (1 و4 و8 و9 و10)، فجاء عرض ائتلاف الشركات الثلاث على الرقعتين 4 و9. ولا يبدو حتى الآن أن الشركات تكترث للتهديدات «الإسرائيلية»، إذ أوضحت «توتال» أنها مع شركائها على دراية «بالخلاف على الحدود الجنوبية اللبنانية حول ملكية بلوك رقم 9، مشيرة إلى أن المنطقة المتنازع عليها تشكل أقل من ثمانية في المئة من مساحتها». وأكدت أن أعمال التنقيب المرتقبة ستجرى على بعد «أكثر من 25 كيلومتراً» منها.
كان واضحاً أن لبنان منذ أن بدأ بمسح مياهه الإقليمية والتأكد من وجود حقول الغاز فيها، أنه خسر سنوات كثيرة لاستغلالها، فيما بدأت «إسرائيل» في استخراج الغاز من حقول قريبة للحقول اللبنانية. وتتداخل حقول النفط والغاز في حوض شرق المتوسط بين قبرص ولبنان ومصر و«إسرائيل» وسوريا، حيث يسعى لبنان اليوم إلى تحقيق نجاح في اكتشاف تجاري يؤمن توفير مصدر طاقة أقل كلفة وتحويل الثروة النفطية إلى ثروة مالية متجددة، وفق وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل خلال حفل توقيع العقود، والتي توضع بعدها خطة الاستكشاف خلال 60 يوماً وتُرسل إلى وزارة الطاقة وهيئة البترول. وعند الموافقة تبدأ مرحلة الاستكشاف في بداية 2019 والتي تمتد ل 3 سنوات قابلة للتجديد سنتين ومن ثم سنة
حجم الاحتياطات البحرية اللبنانية من الغاز 96 تريليون قدم مكعبة
ويقدر حجم الاحتياطات البحرية اللبنانية من الغاز، ب 96 تريليون قدم مكعبة، ومن النفط ب 865 مليون برميل. ويعود تاريخ آخر خطوة عملية في ملف النفط من خلال دعوة الشركات للمشاركة في المناقصات النفطية في لبنان إلى عام 2013، عندما تأهلت 46 شركة للمشاركة في مناقصات النفط والغاز، من بينها 12 شركة مشغلة. إذ تبلغ مساحة المياه الإقليمية اللبنانية حوالى 22 ألف كم مربع، بينما تبلغ المساحة المتنازع عليها مع «إسرائيل» 854 كيلومتراً مربعاً. علماً أنه جرى اكتشاف عدد من حقول الغاز هناك منذ عام 2009 مثل حقلي لوثيان وتمار اللذين تملكهما «إسرائيل».
وتقول الادعاءات «الإسرائيلية» أيضاً، إن البلوك 8 جنوباً، الذي تبلغ مساحته 1400كلم مربع، وبعمق يتراوح بين 1672 و2062 متراً تحت سطح البحر جنوباً، يقع أيضاً داخل حدودها، لكنها لم تتطرق إليه، لأن بيروت لم تطرحه للاستثمار بعد. لذا يعاني لبنان التهديد «الإسرائيلي» لمصادر الطاقة المُكتشفة حديثاً في مياهه الإقليمية، مع وجود حقلين مُشتركين بين المياه اللبنانية والمياه الخاضعة للسيطرة «الإسرائيلية» في فلسطين المحتلة. وقد باشرت «إسرائيل» قبل سنوات باستخراج الغاز من أحدهما، مع استمرار الوساطات الأمريكية لمنع تحوّل الخلاف في ملف الطاقة، إلى نزاع جديد بين «إسرائيل» ولبنان.
وتحصل الدولة اللبنانية من استكشافات النفط والغاز في البلوك رقم 4 في شمال لبنان على حصة 70 في المئة، فيما تتراوح حصتها في البلوك رقم 9 ما بين 50 و70 في المئة
مصر خطوات لإعادة هيكلة ملفها النفطي
في المقابل تتقدم مصر خطوات لإعادة هيكلة ملفها النفطي، وتعتزم وقف استيراد الغاز الطبيعي المسال بنهاية السنة المالية 2017 – 2018 التي تنتهي في يونيو. وقد بدا أن اكتشاف حقل ظهر، الذي يعد الأكبر في البحر المتوسط، في منطقة «امتياز شروق» قبالة سواحل مصر، قد أعادها إلى نادي الدول النفطية، بعدما اضطرت إلى استيراد الغاز لمدة طويلة. وتقدر احتياطيات «ظهر» بنحو 850 مليار متر مكعب من الغاز، وقد تزيد على ذلك بأضعاف. وينفذ المشروع، كونسورتيوم شركات يضم «بي بي» البريطانية و«إيني» الإيطالية و«روس نفط» الروسية إلى جانب مصر، وقد بدأ ينتج بين 350 و 500 مليون قدم مكعبة يومياً خلال هذه السنة. وتسعى مصر إلى أن تعود مصدرة للغاز، حيث تدعم خططها لتصبح مركزاً إقليمياً لتجارة الطاقة، فقد زاد إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى نحو 5.1 مليار قدم مكعبة يومياً في 2017 من 4.4 مليار قدم مكعبة في 2016 مع بدء إنتاج المرحلة الأولى من مشروع شمال الإسكندرية الذي تتولاه «بي بي» أيضاً.
وترى مصر أن إنتاج حقل ظهر سيمكّنها من التوقف عن استيراد الغاز المُسال تماماً، وربما البدء في تصديره إلى الخارج مع نهاية 2019. في حين أن حكومتها أعلنت نيتها طرح التنقيب عن البترول والغاز الطبيعي في حوض البحر الأحمر، خلال النصف الأول من هذا العام، خصوصاً أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، طمأنت الشركات العالمية إلى حصانة استثمارها المستقبلي من احتمال النزاعات الحدودية
أضف تعليق