اخبار رئيسي

«أرامكو» تؤجّل مشاريع كيماوية محلية وتُعيد رسم خريطة استثماراتها نحو الخارج

في خطوة تعكس إعادة ترتيب للأولويات في ظل ضغوط مالية متزايدة، تتريّث شركة “أرامكو السعودية” في تنفيذ ثلاثة مشاريع توسعة جديدة بقطاع الكيماويات داخل المملكة، بينما تمنح الأولوية لاستثماراتها الخارجية، وفقًا لمصادر مطلعة على خطط الشركة.

وأوضحت المصادر، التي تحدّثت لبلومبرغ بشرط عدم الإفصاح عن هويتها لخصوصية المعلومات، أن “أرامكو” قرّرت تأجيل بدء الأعمال الهندسية والتصميمية الرئيسية في تلك المنشآت، في محاولة لتوزيع النفقات على فترات زمنية أطول، مع التركيز على الالتزامات الاستثمارية الأكثر إلحاحًا.
ورغم امتناع الشركة عن التعليق رسميًا، فإن هذه الخطوة تمثّل حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها السعودية للتعامل مع تراجع أسعار النفط وتأثيره على سياسات الإنفاق الحكومي والشركات الوطنية الكبرى.

تشهد أسعار النفط منذ مطلع العام الجاري انخفاضًا يقارب 12%، إذ تراجع خام برنت إلى متوسط 66 دولارًا للبرميل، وهو مستوى أدنى بكثير من السعر التوازني البالغ نحو 94 دولارًا الذي تقدّره مؤسسات اقتصادية لمعادلة ميزانية المملكة. هذا التراجع انعكس على أداء “أرامكو” نفسها، التي سجّلت عشرة فصول متتالية من انخفاض الأرباح، ما دفعها والحكومة إلى زيادة معدلات الاقتراض لمواصلة برامجها الاستثمارية الكبرى.

وتُعدّ المشاريع المؤجلة جزءًا من خطة “أرامكو” لتحويل النفط الخام مباشرة إلى منتجات كيميائية، حيث تتريث حاليًا في مشروعين مشتركين في ينبع على ساحل البحر الأحمر، ومشروع ثالث في الجبيل على الخليج العربي، بعد أن جمّدت في وقت سابق مشروعًا ضخمًا مع شركة “سابك” في رأس الخير.

في المقابل، تتجه الشركة لتعزيز استثماراتها في منشآت التكرير والكيماويات الدولية، لا سيما في الصين وكوريا الجنوبية، حيث توجد مراكز الطلب الكبرى والأسواق الواعدة. ويُتوقّع أن تشكّل هذه التوجهات ركيزة أساسية لتحقيق هدف “أرامكو” بتحويل نحو 4 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا إلى بتروكيماويات في المستقبل القريب.

ويرى محللون أن الشركة تسعى من خلال هذا التوازن بين الداخل والخارج إلى الحفاظ على استدامة الإنفاق وتوزيع المخاطر، خصوصًا في ظل تحوّلات الطاقة العالمية التي قد تحدّ من نمو الطلب على الوقود التقليدي، بينما يبقى الطلب على المواد الكيميائية والبلاستيكية في تصاعد مستمر.

ورغم التباطؤ في بعض المشاريع المحلية، تواصل “أرامكو” ضخ استثمارات ضخمة في مجالات النفط والغاز، أبرزها مشروع حقل الجافورة العملاق، المقرر أن يبدأ إنتاجه في مرحلته الأولى نهاية العام الجاري، في إطار خطة الشركة لإنفاق أكثر من 50 مليار دولار خلال العام الحالي، تُوجَّه غالبيتها لمشروعات الاستكشاف والإنتاج والحفاظ على الطاقة الإنتاجية.

بهذا التوجّه الحذر، تبدو “أرامكو” وكأنها تعيد رسم خريطة أولوياتها الاستثمارية، موازنةً بين ضغط الأسواق النفطية وتحديات التحول العالمي في الطاقة، وبين طموحها للحفاظ على موقعها كأكبر منتج ومصدّر للنفط في العالم وأحد أكبر المستثمرين في صناعة الكيماويات مستقبلًا.