تقارير

هل يسدد الاقتصاد الأمريكى فاتورة قرارات ترامب ؟

قرارات ترامب التي كانت البعض يعتبرها أقرب للخيال ولن يتم تحقيقها على أرض الواقع بدأت تدخل حيز التنفيذ بداية من انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادى . وقرار حظر مواطني 7 دول من السفر إلى أمريكا وتعليق برنامج اللاجئين،

 

قرار حظر مواطني 7 دول من السفر إلى أمريكا وتعليق برنامج اللاجئين كان أكثرها تأثيرا ،حيث  يمكنه أن يكون كارثياً ليس فقط بالنسبة للمسافرين الذين ظلوا معلقين في الهواء بل وأيضاً على الاقتصاد الأمريكي الذي سيدفع الثمن.

وقد بدأت القطاعات الإقتصادية تشعر بوطأة قرارات ترامب، وعلى ما يبدو فإن القطاعات التي ستتأثر على الفور هي:

 

 

قطاع الطيران:

 

بالفعل في ظل أجواء من التساؤلات وجدت المطارات نفسها عاجزة عن التعامل مع المستجدات. هل تسمح للمسافرين بالعبور أم توقفهم؟ وفقاً للتقارير التي نشرتها الوكالات الإعلامية، لم يتم إطلاع الجهات المسؤلة عن المطار قبل إصدار هذا القرار، ولم يتسن الوقت لهم لتنظيم أعمالهم.

 

ما هو أسوأ هو أن شركات الطيران تلقت بلاغات بأن مسؤولية إعادة المسافرين تقع على عاتقهم وسيتحتم عليهم تحمل هذه التكلفة، ما سيكبد شركات الطيران خسائر مادية ضخمة من تكاليف الرحلات المجانية.

السياحة:

 

الخسائر أيضاً ستظهر في قطاع السياحة، فأغلب التأشيرات التي سيتم إلغاءها ستكون التأشيرات السياحية. كما أن العديد من المسافرين من الدول الأخرى قد يعيدون النظر في مخططاتهم نظراً للتطورات على الأرض وللمخاوف من الفوضى في المطار ومن امكانية تعرضهم للتأخير والاحتجاز.

التكنولوجيا

 

كانت الشركات التكنولوجيا أول من بادر إلى الاعتراض على قرارات ترامب الأخيرة. من شركة Google التي أكدت أن قرار منع السفر سيطال المئات من موظفيها، إلى تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة Apple، الذي أكد في بريد إلكتروني داخلي أنه لولا الهجرة لما كانت الشركة موجودة اليوم.

الاستثمارات والصارف:

 

سيكون لـ قرارات ترامب تأثير فوري على الاستثمارات الأجنبية، وتحديداً من الدول ذات الأغلبية المسلمة، والمستثمرين المسلمين الذين سيتخوفون من صدور المزيد من القرارات المشابهة. كما سينعكس ذلك ثقة المستثمرين بشكل عام في الاقتصاد الأمريكي.

 

كما قد يلجأ المستثمرون من الدول التي قامت قرارات ترامب بحظرها من الدخول إلى الولايات المتحدة إلى سحب أموالهم من المصارف الأمريكية، تخوفاً من إمكانية تجميدها.

 

الضرائب وعجز الموازنة

تعد أهم الوعود التي تضمنها برنامج ترمب الاقتصادي تخفيضات ضريبية للأفراد والشركات، تصل قيمتها إلى 6 تريليونات و200 مليار دولار على مدار العقد المقبل بحسب تقديرات مركز السياسة الضريبية.

 

هذه التخفيضات من شأنها، بحسب المركز، أن تزيد 7 تريليونات و200 مليار دولار إلى عجز الموازنة.

 

وستكون الشرائح الجديدة هي 12%، 25% و33% كحد أقصى مقابل 39.6% معتمدة اليوم، وأكد أنه سيلغي الضرائب للفرد الذي يقل دخله عن 25 ألف دولار سنوياً .

 

لكن يشير مركز السياسة الضريبية إلى أن 47% من التخفيضات التي قد تقر هذا العام ستكون من نصيب أغنى واحد في المئة من السكان.

 

في المبدأ، كلما زاد الدخل زادت النسبة التي سيتم توفيرها، حيث إن أفقر الشرائح ستوفر 110 دولارات شهريا بعد اعتماد تخفيضات ترمب.

 

أي أن دخلها بعد الضرائب سيزيد بثمانية أعشار في المئة فقط، في حين ترتفع الوفورات الضريبية بشكل تدريجي ليرتفع دخل كبار الأغنياء بعد ضرائب ترمب بـ 13.5% .

ضريبة على دخل الأفراد

 

وإذا ما قورنت ضريبة دخل الأفراد في أميركا مع عدد من الدول المتقدمة حول العالم بحسب بيانات KPMG فهي تتفاوت من دولة لأخرى. فتبلغ: 33% في كندا، 56% في دنمارك، و49% في فرنسا، 45 % في كل من ألمانيا واليونان والمملكة المتحدة، وأيضا 45% في الصين.

 

أما في اليابان فتبلغ 56%، وفي سنغافورة تبلغ 22%. وهذا يظهر أنه بالمقارنة مع هذه الدول ستكون ضريبة الدخل على الأفراد في الولايات المتحدة تنافسية.

خفض ضريبة الدخل على الشركات

 

وأيضا ضمن برنامج ترمب، اقترح الرئيس الجديد خفض ضريبة الدخل المفروضة على الشركات من 35% الى ما بين 15% و20%

 

هذا سيحول الضريبة من فئة من بين الأعلى عالميا الى فئة من بين الأدنى عالميا، علماً أن الضريبة على دخل الشركات في مجموعة من الدول الكبرى حول العالم تتجاوز 26.5% في كندا، 22% في دنمارك، 25% في النمسا، 34% في بلجيكا.

 

في حين تبلغ 33% في فرنسا، 29.7% في ألمانيا ، 29% في اليونان، 25% في الصين ، و20% في المملكة المتحدة، وهي من بين الأدنى عالميا في سنغافورة عند 17%. أما في اليابان فتبلغ 31%.

 

وفيما قد يشجع تخفيض ضريبة الدخل على الشركات على تحويل المزيد من ارباحها الخارجية الى الولايات المتحدة، يرى بعض الخبراء ان الفائدة ستعود بشكل رئيسي على المساهمين من خلال قيام هذه الشركات بزيادة التوزيعات وإعادة شراء أسهمها ما سيرفع أسعارها في البورصة.

 

إذ يقدر بنك غولدمن ساكس أن أكبر 500 شركة ضمن مؤشر ستاندردر أند بورز ستحول نحو 200 مليار دولار من النقد الخارجي لديها البالغ تريليون دولار – وستستخدم 150 مليار دولار منها لإعادة شراء أسهمها.

 

كما اقترح ترمب تحفيزات إضافية من خلال السماح للشركات بتحويل ارباحها في الخارج بضريبة 10% ولمرة واحدة فقط أملا ان تقوم الشركات باستخدام الوفرات للتوظيف او للاستثمار في تنمية أعمالها على الأراضي الأميركية.

 

الاتحاد الأوروبى

تفوهت المفوضة الأوروبية لشؤون التجارة “سيسيليا مالمستروم”، إن السياسة الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب “محكوم عليها بالفشل”.

 

وأنتقدت مالمستروم سياسة ترامب الاقتصادية، مشيرة إلى أن أغلب البلاد في العـالم تمتلك رؤية واضحة حول التجارة والاستثمار، وأن نجاح الاتحاد الأوروبي يستند إلى كونه مجتمع منفتح.

 

ولفتت إلى أنه سيكون من الخطأ اتباع الولايات المتحدة الأمريكية سياسات اقتصادية حمائية، وزادت: “إن بناء جدار على الحدود، ووضع عراقيل على التجارة والعوائق أمام سفر الناس بحرية، هي سياسة محكوم عليها بالفشل في يومنا”.

 

ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً لانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي تمنح حرية التجارة بين البلاد الموقعة عليه وهي استراليا وبروناي وكندا وتشيلي وماليزيا والمكسيك ونيوزلندا وبيرو والولايات المتحدة وسنغافورة وفييتنام.

توقيع الرئيس الأمريكي، جاء تنفيذاً لوعده الذي قطعه أَوْساط حملته الانتخابية التي تعهد خلالها بتوقيع عدد من الأوامر التنفيذية في أول 100 يوم له داخل البيت الابيض.

كان ترامب أَبْلَغَ أَثْنَاءَ حملته الانتخابية العام السابق، إنه ضد مفاوضات التجارة عبر الأطلسي مع الاتحاد الأوروبي المعلقة في الوقت الحالي.

 

يكاد يجمع المحللون والمعلقون الاقتصاديون، والمؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية كبيرها وصغيرها، على أن “الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي هذا العام يأتي من سياسات الحمائية التجارية التي وعد بها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب”.

القلقون الأوائل هم الجاران كندا من الشمال والمكسيك من الجنوب والذي يشعرون بالتهديد إزاء إلغاء إتفاقية نفتا، اتفاقية التجارة مع أميركا التي تعد من بين أهم الاتفاقيات التجارية عالميا، تبقى الصين بارتباطاتها الكبيرة مع السوق الأميركية أكثر عرضة للتهديد، بعدما وصف ترمب الاتفاقيات التجارية المبرمة بين البلدين بأنها مضرة بالمصالح الأميركية.

 

وفي حال عمدت الإدارة الأميركية الجديدة إلى فرض ضرائب على الصين وفق سياسة الحمائية الموعودة من قبل ترمب، فإن ذلك سيضع شركات الإلكترونيات الصينية تحت ضغوط كبيرة، على رأسها شركة لينوفو وZTE ، بحسب ما نقلته وكالة بلومبورغ عن بنك كريدي سويس، في الوقت الذي قد يشكل فيه الأمر فرصة لشركات أميركية محلية لسد الفراغ الذي سيخلقه غياب المنافس الصيني عن السوق في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

من جهة آخرى، ستؤدي أي قيود تجارية بين الصين وأميركا إلى تقليص الحصة السوقية لشركات أميركية كبرى بحجم جنرال إلكتريك وفورد في قطاعي التكنولوجيا وصناعة السيارات، إلى جانب التأثير سلباً على شركات شهيرة مثل Nike و Tiffany & Co في مجال السلع والتجزئة.

 

وكان ترمب قد لوح بفرض ضريبة تصل إلى 45% على الواردات الصينية، فيما اعتبرت صحيفة غلوبال تايمز الصينية، أن خطاب تنصيب ترمب يؤشر إلى احتمال كبير لشن نزاعات تجارية مستقبلا.

 

سيناريوهات الخطر

إن حدث ما هدد به ترمب، فإن التوقعات تشير إلى هبوط حاد وسريع في مؤشر MSCI الصيني الذي قد يهوي بما يفوق 30% في حال فرض ضرائب بـ45% على الصادرات من كلا الجانبين، بحسب ما نقلته “بلومبرغ”، فيما من المقدر أن يفقد مؤشر “شانغهاي” المجمع حوالي 10% من مستوياته الحالية.

ويبقى منتجو الإلكترونيات والأجهزة المنزلية والملابس في الصين، من بين أكبر الضحايا المحتملين لأي نزاع تجاري قد يشب بين الاقتصادين الأول والثاني عالميا، وذلك نظراً لأن جزءاً كبيراً من عائداتهم يتم تحصيله من عملاء في أميركا، وفقا لبنك “كريدي سويس”.

 

وهناك شركات صينية تجني 70% من إيراداتها في السوق الأميركية، كشركتي GoerTek Inc المتخصصة في التكنولوجيا و Regina Miracle International في قطاع الأزياء، واللتان تعدان الأكثر انكشافا على السوق الأميركية.

 

فيما تأتي الشركتان الأميركيتان المنتجتان لأشباه الموصلات Ambarella Inc و Texas Instruments Inc في صدارة تلك الأميركية التي تحقق الجزء الأكبر من مبيعاتها في الصين.

 

من ناحية أخرى، تعد الصين موطنا لصناعات أميركية على رأسها منتجات Apple، فضغوط ترمب على الشركات الأميركية لإعادة توطين مصانعها سترفع تكاليف شركات كبرى لجأت إلى الصين لتحقيق عائدات أعلى، ما سيجعل منتجاتها أقل تنافسية لجهة الأسعار ويقلص حصصها السوقية ومبيعاتها ليس فقط في الصين بل حول العالم.

 

ووسط تقاطع النيران هذا، قد يشكل أي نزاع محتمل فرصة لأطراف ثالثة من أجل الاستفادة وخطف الحصة السوقية التي ستخلفها القيود التجارية المحتمل فرضها، فإذا ما عمد الصينيون إلى معاقبة أميركا من خلال مقاطعة منتجاتها، كما حدث مع اليابان في 2012 على خلفية نزاع حدودي، حينها قد تصبح السيارات الألمانية بديلا محتملا عن تلك الأميركية، فيما قد يستبدل الصينيون قمصان وأحذية Nike الأميركية، بمثيلاتها من Adidas .

 

تهويل ومبالغة

عل الجانب الآخر هناك أصوات ضعيفة نادرة ترى في ذلك الاستنتاج تهويلا مبالغا فيه، لا يقل عن التضخيم الذي يستعمله المروجون لأمر ما على طريقة “الفزاعة”.

والحمائية التجارية، هي إجراءات فرض ضرائب ورسوم على الواردات من السلع والخدمات كحماية للمنتجين والموردين الوطنيين.

بداية، ليس الأمر بجديد خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الأميركي وسياسات الحماية للصناعات والمنتجات الأميركية.

ولا نعني هنا فقط سياسات الحماية وإجراءات فرض الرسوم والضرائب على الواردات للسوق الأميركية من منتجات وخدمات اقتصادات أخرى، التي كان أهمها في نهاية القرن الثامن عشر وآخرها في ثمانينات القرن الماضي.

وإنما يتناسى كثيرون أن منحى العولمة يشهد ردة فعل سلبية منذ سنوات، وكثرت في الأعوام الخمسة الأخيرة المقالات والدراسات التي تناقش آثارها السلبية ليس فقط على الشعوب “غير المحظوظة اقتصاديا” وإنما على الاقتصاد العالمي ككل.

وبالتالي، يصعب تحميل دعوات ترامب لاتخاذ إجراءات حمائية لتشجيع الصناعات الوطنية، مسؤولية التردي المتوقع في التجارة العالمية أو الاقتصاد العالمي.

ولنتذكر أن السياسات الأميركية في عهد إدارة الرئيس رونالد ريغان وما بعده، وآخرها فرض رسوم إغراق على واردات الصلب من الخارج، لا تختلف كثيرا عما يدعو إليه ترامب.

ولم تؤد تلك السياسات إلى انهيار الاقتصاد الأميركي أو ركود الاقتصاد العالمي، كما كان البعض “يخوف” العالم وقتها من فزاعة الحمائية.

ربما تكون مقترحات ترامب مغالية بعض الشيء، بمعنى فرض رسوم تصل إلى 45 في المئة على السلع والخدمات الأجنبية، و30 في المئة على ما تنتجه شركات أميركية خارج الولايات المتحدة وتسوقه فيها، لكن ذلك في الأغلب كان من باب “الترهيب” ولن تكون السياسات الفعلية كذلك.

وعلى الأرجح لن تتجاوز ما فرضه أول وزير خزانة أميركي، ألكسندر هاميلتون، قبل 200 عام وكان في حدود 10 في المئة.

وإذا أخذنا في الاعتبار هدف تنشيط الاقتصاد عبر زيادة الانفاق الاستهلاكي ومشروعات البنية الأساسية الضخمة، فإن ذلك كفيل بتحسين نسب النمو في الاقتصاد الأميركي، الذي قد يعود إلى قاطرة لنمو الاقتصاد العالمي حتى في ظل سياسات حماية تجارية.