تقارير

القصة الكاملة لـ”حرب العملات” ..هل يمنع ترامب الشركات الأمريكية من استخدام ” الرنمينبي “؟

اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب روسيا والصين بأنهما تعمدان إلى خفض قيمة العملة في الوقت الذي ترفع فيه الولايات المتحدة أسعار الفائدة.

وقال ترمب على تويتر ” روسيا و الصين تلعبان لعبة تخفيض قيمة العملة بينما الولايات المتحدة تواصل زيادة أسعار الفائدة. هذا غير مقبول!”.

وتشير تغريدة ترمب إلى ما يعتبره مزايا تجارية غير عادلة، فعندما تكون عملة بلد ما منخفضة على نحو مصطنع، فإن صادراتها تكون أكثر قدرة على المنافسة في حين أن زيادة أسعار الفائدة الأميركية تساعد بشكل عام في ارتفاع قيمة الدولار وهو ما يجعل الصادرات الأميركية أكثر تكلفة.

ومنذ تولى ترمب السلطة في يناير كانون الثاني 2017، تراجع الدولار بشكل كبير أمام معظم العملات، بما في ذلك اليوان الصيني وأيضا الروبل الروسي إلى أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات في الأسابيع القليلة الماضية على روسيا.

وهبط مؤشر الدولار- الذي يقيس قيمة العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات منافسة- 11.2% منذ أن أصبح ترمب رئيسا.

وفي تقرير نصف سنوي أصدرته يوم الجمعة، امتنعت وزارة الخزانة الأميركية مجددا عن تسمية أي من شركائها التجاريين كمتلاعبين بالعملة.

ومع أن الإدارة الأمريكية لم تتخذ أي إجراء مباشر ضد عملة الرنميني أو اليوان لكنها إذا كانت تنظر إلى الصادرات الصينية والاستثمارات كتهديد فمن الجائز أن تكون أن تستهدف عملة الصين أيضاً.حيث يرى محللون أن إذا اختارت الصين أن تقاوم طلبات ترامب بشأن تقديم تنازلات تجارية فقد تمنع الولايات المتحدة استخدام الرنمينبي من قبل الشركات الأمريكية التي تتعامل مع الشركاء الصينيين.

ويمكن أن يحبط الرئيس الأمريكي أو يؤسس حواجز جديدة أمام الاستثمارات في الأصول المقومة بالرنمينبي أو قد يقدم اتفاقيات مقايضة بشروط مواتية لأي بنك مركزي للتخلي عن اتفاقه مع الصين، أي أن قائمة الإجراءات العقابية المحتملة طويلة.

وخلال الآونة الأخيرة، أطلقت الصين بورصة جديدة لعقود النفط الخام الآجلة المقومة بالرنمينبي وهي الخطوة التي يراها بعض المراقبين تحدياً مباشراً للدولار.

وفعليا دعمت الولايات المتحدة دخول الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي على الرغم من الشكوك المنتشرة بشأن مؤهلات العملة كونها أرادت أن تشجع الصين على أن تصبح صاحبة مصلحة أكبر في النظام النقدي القائم.لكن إدارة ترامب ترى أن خطراً فى العملة الصينية التى لايزال أمامها وقت طويل كى تصل إلى مكانة الدولار

ومنذ الأزمة المالية العالمية 2008، حاولت الحكومة الصينية تعزيز موقف “الرنمينبي” على الصعيد الدولي، حيث قامت بتخفيف القوانين لزيادة المعاملات التجارية عبر “الرنمينبي” وبالتالي تجاوز العملات التقليدية مثل الدولار الأمريكي.

 

كما أنشأت شبكة من بنوك المقاصة (clearing banks) للعملة الصينية التي تمتد عبر المراكز المالية في جميع أنحاء العالم إلى جانب تجهيز الأسواق النشطة بودائع الرنمينبي والسندات المقومة بالعملة في هونج كونج وأماكن أخرى.

وكذلك توصلت الحكومة الصينية إلى اتفاقيات تبادل العملات مع العشرات من البنوك المركزية الأجنبية، على أمل أن يصبح الرنمينبي أحد الأصول الاحتياطية العالمية الجديدة.

وفي الوقت نفسه، حققت الصين خطوة رئيسية خلال عام 2015 عندما وافق صندوق النقد الدولي على ضم الرنمينبي إلى سلة العملات التي تحدد قيمة أصولها الاحتياطية، أي عملات حقوق السحب الخاصة.وكجزء من محاولتها الطموحة بشأن التأثير العالمي، تهدف الصين إلى تطوير مكانة العملة حتى تصبح قوة عالمية كبرى.

واستفادت الولايات المتحدة لفترات طويلة من وضع الدولار المهيمن في الأسواق المالية واحتياطات البنوك المركزية وهي الخطوة التي ترغب الصين حالياً في الحصول على ثمار مماثلة.فالعملة القوية لها تأثيرات إيجابية، فهي مثلا تجعل الواردات أقل تكلفة، وهو ما يستفيد منه الأمريكان ، أما بالنسبة للسلع المصنوعة في الولايات المتحدة فإن ذلك يعني مزيدا من المنافسة في السوق المحلية، لكن الدولار القوي قد يكون عاملا سلبيا للاقتصاد الأمريكي، ففي فترة حكم “ريجان” في بداية الثمانينيات لم تكن الشركات الأمريكية تصارع المنافسة اليابانية فقط، بل كذلك العملة الباهظة.

في الجانب الآخر تتصارع الولايات المتحدة مع الصين منذ عقود حول رفع قيمة اليوان، فسعر الصرف المنخفض سهّل على المصنعين الصينيين ولفترة طويلة إغراق السوق الأمريكية بالسلع الصينية وكانت النتيجة ترحيلا كبيرا لقطاع الصناعة الأمريكي للخارج، وطبعا أصبح العديد عاطلين عن العمل.

ومنذ أن انتهجت الصين إستراتيجية النمو القائم على الصادرات، لعبت العملة المنخفضة الدور الأساسي في هذه الإستراتيجية، حيث يسمح بخفض قيمة العملة للصادرات بالنمو، وهو ما يؤدي إلى تراكم فوائض النقد الأجنبي، خصوصا الدولارية، التي تستقر لدى البنك المركزي.

كلما انخفض اليوان، زادت الصادرات الصينية للعالم، وبالتالي زادت الحصيلة الدولارية وزاد الاحتياطي الأجنبي، وبالتالي تطالب أمريكا والغرب الصين برفع قيمة اليوان، بحجة أنها تحتمي وراء عملة قوية، وتستمر الصين في الطباعة أكثر وتنجز المشاريع القومية وينمو اقتصادها بأكثر من ١٠% سنويا حتى وقت قريب.

لذلك تشكل الصين خطرا على الاقتصاد الأمريكي، فحتى الآن لم تجد الولايات المتحدة وسيلة ناجحة للتعامل مع الصين ووقف تقدمها، فقد نجحت الصين إلى حد ما في دعم صادراتها عن طريق التحكم في سعر الصرف خلال الأزمة المالية العالمية وما بعدها.

 

السؤال الذى يطرح نفسه الآن كيف يمكن لدولة خفض قيمة عملتها ؟ يمكن ذلك بعدة طرق وآليات منها:

التدخل المباشر: وهي طريقة تقليدية تقوم بها البنوك المركزية عن طريق بيع العملة المحلية وشراء نظيرتها الأجنبية، مما يساهم في خفض قيمة الأولى.

توظيف معدل الفائدة: يساهم خفض معدل الفائدة في الضغط على العملة المحلية والتخلي عنها نظرا لأنها لا تشجع الإقتراض بها أو تكون بمثابة أموال رخيصة لا تعطي صاحبها ميزة.

التيسير الكمي: هذه الأداة الشهيرة التي وظفها المركزي الأمريكي عن طريق شراء الديون والسندات السيادية وغيرها من الأصول مقابل ضخ سيولة.

حرب التصريحات: يمكن أن تتسبب التصريحات من صناع السياسات بتفعيل أى من الأدوات السابقة بالضغط على العملة ومن ثم تخفيض قيمتها، لكن ذلك قد لا يؤتي بثماره إذا كانت العملة قوية وتعد ملاذا آمنا مثل الين على سبيل المثال، وهو ما دعا بنك اليابان لإطلاق برنامج تيسير كمي عام 2013.

– وفي النهاية لا بد من القناعة بوجود سلبيات لتخفيض العملة بغض النظر عن الإيجابيات الظاهرة للعيان، فمع دعم الصادرات يظهر داخل بنيان الاقتصاد تحرك للإستثمارات وكذلك الثروة نحو القطاعات المعتمدة على التصدير وإهمال باقي القطاعات ومن ثم خلل هيكلي داخلي.

– أيضا التضخم المستورد مع ارتفاع قيمة الواردات خصوصا في الاقتصادات المستهلكة.

– الأمر الأسوأ قد يحدث بالنسبة لخفض الإنتاجية على المدى الطويل، حيث يبقى استيراد المعدات وآلالات مكلفا للشركات المحلية، وإذا لم يتوازى مع خفض العملة اجراء اصلاحات هيكلية حقيقية ستتضرر الإنتاجية في نهاية المطاف.

– إعاقة حركة التجارة العالمية بسبب نصب كمائن “الحمائية التجارية” من قبل بعض الدول في ظل رد فعل مضاد لتخفيض شركاء تجاريين عملاتهم.

– ردع الإستثمارات الأجنبية من دخول الدولة المخفضة لعملتها لماذا؟ قد تتسبب عملية الخفض في رفع تذبذب العملة، وهذا يعني تكلفة أعلى لتحوط المؤسسات والشركات الراغبة في الإستثمار ومن ثم هروبها أو عدم قدومها أصلا.